كيف تروض عناد الصغار
عندما يرتمي طفلك متمددًا على الأرض رافضًا ـ بكل إصرار ـ أن تأخذ بيديه، أو أن يستمع لأوامرك بأن يكفَّ عن الصّراخ، أوعندما تراه واقفًا متمردًا بجوارك، رافضًا الجلوس وكل ما تحاول أن تقنعه به، كرفضه الجلوس في المطعم الذي اخترته لتناول العشاء مع العائلة؛ لأنه لا يروق له، أو عنما يكيل الضربات لأخيه الصغير غير مهتمّ بصرخاته، بالرغم من أنّك قد نبهتَ عليه مرارًا وتكرارًا لتعديل سلوكه هذا، فهو يصرّ في كل مرة أنه غير مخطئ، حتى تشعر بأنّ تنبيهاتك المتكررة له دون جدوى.فإن ذلك كله يؤكِّد أنّه طفل عنيد. والعناد قد يكون مقبولاً يمكن تدارك آثاره والتعامل معه، ولكنّه يصير خطيرًا إذا امتد عناد طفلك لأذى نفسه أو مَنْ حولَه.
فكيف تحدِّد مستوى العناد الذي وصل له طفلك؟
كيف سيكون ردّ فعلك تجاهه؟
كيف ستقوِّم سلوكه؟
للإجابة عن هذه الأسئلة القائمة، فما عليك فقط سوى متابعة هذا الموضوع المهم تحت العناصر التالية:
معنى عناد الصغار وتمرّدهم
العناد والتمرد سلوكان يتشابهان مع كثير من سلوكيات الأطفال التي يعبِّرون بها عن أنفسهم، فكلاهما يعنيان أن تطلب من طفلك أمرًا معيّنًا أيًا كان هذا الأمر، فتراه رافضًا تنفيذ أوامرك ومتمسكًا برأيه ومصرًا عليه، ليفعل ما يراه هو حتى لو كان في نظرك تصرفًا خاطئًا وغير مقبول، ولو حاولتَ إجباره على القيام بتصرف ما تجده يقاوِمك متمرّدًا بذلك على سلطة الوالدين، ومحاولاً ـ في الوقت نفسه ـ إرغام الوالدين على قبول سلوكه بتكراره.
بعض مظاهر وسلوكيات الطفل العنِيد
عندما تعرف معنى العناد عليك أن تتعرف على مظاهره لتقترب أكثر من كيفية تقويمه وعلاجه إذا تطللّب الأمر. ومن هذه المظاهر التي تدل على أن طفلك عنيد، هي أنه حين يغضب يمتنع عن تناول الطعام والشراب، وقد يحبس نفسه في حجرته بالساعات، وترى هذا السلوك واضحًا في الأسرة عند قدوم مولود جديد ـ ويكون طفلك هو الأكبر منه سنًّا ـ فيشعر بالغيرة تجاهه وتجده يزداد عنادًا وتمرّدًا ويضرب بأوامرك كلها عرض الحائط غير مبالٍ برد فعلك أو شدة غضبك، فهو لا يصغي لأحد إلا لنفسه، ويفعل ذلك كله ليلفت إليه انتباهك الذي شعر أنه انصرف عنه إلى المولود الجديد.
وهذا يقع بالفعل في الوقت الذي لا يعلم فيه ـ هذا الطفل العنيد ـ أنّ لأخيه حقًا واهتمامًا لا بدّ أن يتحصّل عليهما، كما تحصّل هو عليهما وقتَ أن كان صغيرًا في مثل سنّه؛ وذلك لأنّه لا يزال صغيرًا لا يستوعب بعقله مثل هذه الأمور المهمة حتى لو وضّحتْ له الأسرة بأكملها مثل هذه المعاني.
وكلّ هذه السلوكيات المضطّربة تعني أنه يحتاج إلى إشباع حاجات معينة يشعر تجاهها بنقص حاد؛ نتيجة لإهمالك أو عصبيّتك أو تجاهلك له، فترى الصفة الغالبة عليه ـ طوال الوقت ـ هي عدم الانصياع لأوامرك والإصرار على رأيه باذلاً كل جهده لإقناعك أن رأيه هو الأفضل.
متى يبدأ طفلك في العناد؟
لعلك تتساءل الآن متى يمكن أن تظهر هذه السلوكيات على طفلي وفي أيّة سنّ؛ لتبدأ في الإعداد لها مسبقًا، ولتشمّر عن ساعديك لمواجهة المتمرد القادم. فالطفل ـ طبقًا لنتائج الأبحاث التي طُبِّقت على شريحة من الأطفال المعاندين ـ لا تظهر عليه علامات التمرد قبل الثانية من عمره؛ لأنه في مثل تلك السنّ يكون اعتماده على أمّه اعتمادًا شبه كامل، وتبدأ بعد هذه السنّ ظهور علامات العناد عندما يستطيع الطفل الاعتماد على نفسه نوعًا ما، ويكتشف العالم من حوله فيتعلم أن يقول (لا) ـ كلمة الاعتراض ـ لكل شيء تطلبه أمّه منه، كنوْع من إثبات الذات؛ ليقول لها: "أنا هنا". وتستمر حالة العناد معه بقدر تفهّمك له ومحاولة تقويمه، وتكون علامات العناد على أشدّها في فترة المراهقة، والتي تحتاج منك كل صبر وتتطلّب تفهمًا واحتواء لا حدود لهما.
أسباب عناد الأطفال
هناك أسباب كثيرة تدفع بالطفل إلى مجادلة الآخرين، وعدم الاستماع لأوامر الوالدين. ومن أهم هذه الأسباب ما يلي:
- أنّ الطفل بعناده يحاول مقاومة سيطرتك عليه، وإظهار شخصيته أمامك رافعًا راية الاستقلال مبكرًا.
- كذلك تضايقه المستمر من تدخّلك في شئونه ومنعك رغبته في اتخاذ قراراته بنفسه.
- شعور الطفل بالغيرة من أحد أفراد أسرته والمنافسة الشديدة بينهم.
- الشعور بالعجز والإحباط والاستهزاء من قِبَل أفراد الأسرة أو زملاء المدرسة.
- تقليص مساحة الحوار معه.
- التشبّه وتقليد الكبار إلى جانب الإهمال من جانب الأهل أو تجاهلهم له.
فذلك كله يعني أنّك تشعِل وقودًا، وعندما يشتعل تصرخ محاولا إطفاءه، فعليك أن تخمد جذوة النار قبل اندلاعها بتجنب هذه الأسباب كلها، وتهيئة الجوّ الأسريّ القائم على مبادئ تربوية صحيحة لنموّ نفسيّ سليم لأبنائك.
كيف تتعامل مع عناد طفلك؟
هناك خطوات حاسمة يمكن أن تعتمد عليها لتقويم سلوك طفلك العنيد، يجب القيام بها:
- تقديم الأوامر له بكل بساطة ووضوح وهدوء، دون تشدّد أو تسلّط، وأن تكون أوامرك له بوجه مبتسم مقترن بلمسات حانية بالتربيت على كتف الطفل، أو احتضانه، ثمّ تطلب منه القيام ببعض الأعمال، مع الحذر من أن يكون اللطف مع الطفل للقيام بالطلبات فقط.
- تجنّب إعطاء الطفل أوامر كثيرة في وقت واحد.
- تجنّب التوجيه المباشر، والسماح له بأن يكون هو أحد صنّاع القرار، فبدلاً من أن تقول له: قمْ بترتيب ألعابك الآن، قلْ له: ما أفضل طريقة تعرفها في ترتيب هذه الألعاب.
- تجنّب أمر الطفل بشيء، ثمّ النهي عنه بعد قليل.
- تجنّب اللجوء إلى العقاب اللفظي أو البدني كوسيلة لتعديل سلوك العناد لدى الطفل.
- مكافأة الطفل إن أحسن القيام بعمل ما.
- لا تجعل المهمة التي سيقوم بها الطفل سببًا في حرمانه من حاجة أخرى يحبها، أو تتعارض مع رغباته.
- سرد قصص ونماذج مُسلّية لأطفال مطيعين حصلوا على مكافآت تناسب رغباته؛ نتيجة استماعهم لأوامر والديهم.
- شرح وبيان مفهوم طاعة الوالدين من منظور ديني واجتماعي، وتوضيح الأجر الرباني المترتّب على تلك الطاعة في الدنيا والآخرة.
- تجاهل بعض سلوكيات الطفل العنيد ما دام ذلك لا يشكِّل خطرًا على أحد.
أهمية الاستشارة النفسية
في بعض الأحيان لا يُعدّ عناد طفلك سلوكًا مرفوضًا، بل يدل على تقلّب مزاجه، ومحاولة التكيّف مع بيئته، وقد يكون عناده سلوكًا ثابتًا لديه، ويظل هذا السلوك في إطارالسيطرة، لكن تكمن الخطورة إذا نتج عن هذا السلوك إيذاء لنفسه والآخرين من حوله، عند ذلك يجب عليك اللجوء للاستشارة النفسية.
وأخيرًا..
عليك بالصبر والمثابرة وعدم الإذعان والخضوع لأوامر الطفل، مهما بلغ به التمادي في سلوكيات العناد، بل عليك مواصلة الإصرار لتعديل سلوكه مهما كلّفك ذلك من وقت وجهد وطاقة؛ لأنّك بذلك حرصت على تنمية نمط وشكل شخصيته المستقبلية.