كيف تصنع ثورة
إذا كنت غير راض عن الأوضاع المحيطة بك ولديك رغبة في التغيير، فلقد حان الوقت لتحويل مخزون الغضب والسخط المتراكم بداخلك إلى طاقة إيجابية للتغيير، قد تكون أنت من يطلق شرارة الثورة، فالأمر لا يتطلب قدرات خارقة بقدر ما يتطلب قدر من الشجاعة والإيمان بقوة موقفك مع الحكمة والتخطيط السليم والاستفادة من أدوات العصر في تحقيق تلك الغاية النبيلة.
الثورة تعني القدرة على إحداث تغيير فى وقت قصير عبر حشد كبير وتكوين قوه قادرة على إحداث التحول المنشود. ورغم أن إحداث ثورة مشروع ضخم إلا أنه يمكن تبسيطه إلى خطوات إذ أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة!
وهاك الخطوات الرائيسية للبدء بثورة نجملها لك على النحو التالى.
تعلم من تجارب الثورات السابقة
عليك أن تعد نفسك جيداً قبل البدء فى الثورة عبر تأهيل نفسك وتثقيفها وقراءة تاريخ الثورات. شتى الثورات، الثورة الفرنسية وثورة البلاشفة وحركات التحرر من أمريكا اللاتينية إلى الهند، إن هذه التجارب تمثّل كنزاً من الخبرات والدروس المستفادة.
اهتم بشئون مجتمعك
تأمل الواقع الذي تعيش بداخله وراقب أحوال مجتمعك، وتعرف عن قرب على آلام ومعاناة فئات المجتمع المختلفة. ولا تنس أنه يمكنك الاستعانة بالأرقام والإحصائيات الجادة لتتعرف على مدى التحديات التي تواجه مجتمعك، عليك أن تقترب من رجل الشارع وتدرك همومه وتطلعاته عبر الانضمام للعمل التطوعي. فاحتكاك بالواقع، سيجعلك أكثر إدراكاً بطبيعة مجتمعك وما يعانيه من آفات وسلبيات. فلكل مجتمع طبيعته وخصوصيته. حاول حصر أهم النواحى التى بحاجة لتغيير وعليك مراعاة الآتى:
- اختر القضايا التى تؤمن بها ولديك مشاعر قوية حيالها.
- حدد القضايا الرئيسية التى تمثّل موضع سخط للجميع.
- اختر القضايا الجوهرية والتى تمس الحياة اليومية للمواطن العادى.
- سلط الضوء على فداحة الآثار السلبية الناجمة عن الوضع الحالى وخطورة الاستمرار فى نفس الوضع.
كون رؤية مستقبلية (Vision)
بعدما تتعرف على أبعاد الواقع، جاء الوقت لتحدد ما تسعى إليه على وجه الدقة، فالثورات تؤدى إلى تغيرات جذرية وتحولات كبرى لتطيح بنظام وتخلق آخر أو لتغير شكل ومعالم دولة أو مجتمع للأبد، وهنا تكمن أهمية أن تضع رؤية واضحة للمستقبل، لذا اجلس وحيداً في مكان هادئ وأحضر قلم وورقة، وابدأ في كتابة رؤيتك للمستقبل: ماذا تريد أن تغير فى مجتمعك؟ ماهى الصورة المثالية التى ترغب أن يكون عليها مجتمعك؟ حلق بأحلامك عالياً ولا تسجن نفسك بالواقع بكل ما به من معوقات وصعوبات، فأنت من يصنع الواقع. وهنا وعند تكوين رؤيتك المستقلبية عليك مراعاة التالي:
- اجعل رؤيتك واسعة الأفق، لتتجاوز طموحاتك الشخصية.
- اجعل رؤيتك متّسقة مع المبادئ والقيم العليا كالحرية والكرامة والعدالة والمساواة.
- اجعل الغاية الكبرى هى المصلحة العامة وتحسين الواقع إلى الأفضل، وليس المجد الشخصىي.
- اجعل رؤيتك التى تطمح إليها حاضرة فى ذهنك طيلة الوقت، فستشكل مصدراً للأمل والإلهام وشحذ الهمم لمن حولك، وستكون قوة دفع هائلة للعمل وتحمّل شتى الصعاب لتحقيقها.
حدد المطالب الأساسية
حدد المطالب الأساسية التى من شأنها أن تساهم فى تحقيق رؤيتك من رفع الظلم أو طلب مزيد من الحرية أو الكرامة أو العدالة الاجتماعية، ويجب الانتباه للنقاط التالية عند تحديد المطالب الأساسية:
- أن تكون مطالب الثورة مشروعة وتوافقية ومتجاوبه مع طموحات وآمال غالبية المجتمع.
- لا بد أن تلبى الثورة مطالب أهم شريحتين فى المجتمع (الشباب والعمال)، فهم وقود الثورة.
- حاول دمج المطالب الفئوية فى شعارات عامة لتجلب شرائح وقطاعات واسعة من المجتمع، بدلاً من فئة بعينها.
- تجنب التنازل أو التفريط فى أي من المطالب الأساسية خلال مراحل التفاوض، وإلا ستخسر ثقة الجماهير، فقوتك تنبع من تمثيلك لإرادة الجماهير.
عليك أن تؤمن بالقضية التى تدافع عنها مع الاستعداد لتقديم تضحيات
عليك أن تعلم جيداً أن قيادة أي ثورة سواء ضد إدارة الشركة التي تعمل لديها أو النظام السياسي الفاسد أو المحتل، سينطوي على مخاطر جمة قد تصل إلى الطرد من العمل أو الاعتقال وأحيانا الموت، لذا يجب أن يكون لديك إيمان راسخ بعدالة قضيتك مع الاستعداد لتقديم التضحيات، فطريق الثورة ليس مفروشاً بالورود!
قم بدعوة من يشاركك نفس الرؤية للانضمام إليك
ضم ما استطعت ممن يشاركك نفس القناعات والتفكير عبر دعوته وعرض تصورك للواقع وأهداف الثورة وما سيعود عليه حال نجاحها، لا بد من اختيار هؤلاء القادة بحذر ولا بد من التأكد من إيمانهم بالقضية و استعدادهم للتعاون، حتى يصبح لدينا فريق عمل متعاون يجمعه هدف واحد. واحرص في هذه المرحلة، فإن الدقة في اختيار العناصر المناسبة سيقلل خطر الانقسامات في المستقبل.
انشر أفكارك بواسطة الأدوات العصرية للإعلام الاجتماعى
ثورات اليوم تنطلق عبر الإنترنت، وقد أتاح لنا هذا العصر العديد من الأدوات الرائعة للتواصل ونقل الأفكار من خلال كثير من وسائل الإعلام الاجتماعى كالفيس بوك (Facebook) وتويتر (Twitter) عبر إنشاء مجموعات لدعوة الآلاف من الشباب وحشدهم للمشاركة فى الثورة، وتستعمل هذه المواقع كأداة إعلامية لنشر فاعليات وتطورات الثورة أولاً بأول عبر رفع الصور ومقاطع الفيديو.
يمكنك رفع مقاطع الفيديو على موقع يوتيوب (Youtube) ونشر روابط الفيديو عبر صفحات مستخدمى الفيس بوك، ولن تمضى سوى ساعات قليلة وتجد مئات التعليقات، وربما تجد وسائل الإعلام تبث هذه المقاطع على نشراتها الإخبارية، عليك الاعتماد على الإعلام البديل لكسر حالة التعتيم الإعلامى ولإيصال أصواتنا للعالم الخارجى، خاصة فى الأماكن التى لا تحظى بأى تغطية إعلامية تذكر.
إن المواقع الاجتماعية تتيح عرض أفكارك على شريحة واسعة من الأفراد فى غضون دقائق، كذا ويمكنك تبادل الرأي والتنسيق والتخطيط -عبر إنشاء مجموعات خاصة قاصرة على القيادات من أجل التشاور وتنسيق المواقف خاصة فى حالة التنسيق لإضرابات متزامنة فى أماكن مختلفة، إنك عن طريق الفيس بوك، وأمثال الفيس بوك فقط يمكنك أن تجتمع مع ألف ناشط سياسى وتبدأ فى التخطيط لثورتك من المنزل دون أى خوف من الملاحقات الأمنية.
ابدأ فى إطلاق حملة دعائية منظمة عبر الفيس بوك والتويتر بابتكار شعارات (slogans)، وصور جذابة (logos)، بالإضافة لرفع عشرات من الفيديوهات المحرضة على الثورة. وحمس المشاركين على نشر هذه الدعوات واستبدال صورهم الشخصية بشعارات الثورة.
حاول جذب قطاعات وشرائح عريضة
وهذا يتوقف على مدى نجاحك في صياغة مطالب عامة تحظى بإجماع الآراء، ويمكنك في هذه الحالة أن تدعو الأحزاب والجمعيات والنقابات التي تشاركك نفس الهدف وتنادى بذات المطالب، ولاتنسَ التنسيق مع مجموعات الفيس بوك الأخرى ذات الشعبية العالية، فحينما يقف الجميع صفاً واحداً يضفى هذا المزيد من القوة والضغط على الجهة المقابلة، مما يدفعها على تقديم المزيد من التنازلات ومن ثم النزول عند رغبة الأغلبية. تذكر أنه كلما زادت الكتلة المطالبة بالتغيير، كلما صعب على النظام إخماد الثورة أو قمعها.
لابد من التخطيط المشترك لفعاليات الثورة
تختلف الثورة عن أعمال الفوضى والتخريب، فى أنها عمل منظم قائم على رؤية واضحة وخطوات عملية لتحقيقها. والآن عليك أن تشترك مع الأخرين فى وضع الخطة العامة والتى تتكون من خطوات وتكتيكات مرتبطة بجدول زمنى محدد للقيام بها، فالأشياء الصغيرة التى نقوم بها كل يوم، فى إطار عمل منظم،هى طريق التغيير، وتذكر إن لم نكن نخطط للتغيير وللنجاح، فسنكون كمن يخطط للفشل!
ويشمل التخطيط تحديد موعد التحرك وأماكن التجمع وتوزيع القيادات الميدانية وإنشاء اللجان الرئيسية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، اللجنة إعلامية- وتعتبر المتحدث الأوحد باسم الثورة، وسيكون لها أهمية من أجل تفادى تضارب الأنباء ووجهات النظر، وهي كذلك تتولى توجيه الدعوات وإعداد المواد الدعائية ونشر المواد الإعلامية عبر الإنترنت. ومن اللجان الرئيسية أيضاً لجنة المعيشة التي تكون مسئولة عن توفير الطعام والمؤن فى حالة الاعتصام أو الإضراب لأيام متتالية. وكذلك لجنة الدعم اللوجستي من أجل توفير خدمات المبيت كالخيم والبطاطين، وكذلك من أجل إيصال الكهرباء وتركيب السماعات وإعداد المنصة (stage)- وأخيرا ًمن اللجان الهامة لجنة الأمن والحراسة للقبض على أى مندسين ولمنع أى أعمال تخريبية. وعلى كل، لكل ثورة حاجاتها الخاصة التي تفرض لجاناً تختلف من مجتمع إلى آخر.
نصائح هامة يجب مراعاتها أثناء الثورة
- حاول دعوة الشخصيات العامة للمشاركة، لأنهم يحظوا بتأثير كبير لدى قطاعات واسعة من المجتمع.
- حافظ على الطابع السلمي للثورة لتكسب تعاطف الجميع واحترامهم.
- لا بد من أن تدار الثورة بشكل ديمقراطي مع الاستماع لوجهات نظر كافة المشاركين.
- عليك الاستفادة من خبرات الآخرين قدر المستطاع، فلن تسطيع وحدك إدارة ثورة شعبية.
- تذكر أن الثورة ليست مكسباً شخصياً بقدر ما هي أمر نبيل يهدف لصالح المجتمع ككل.
كم نحتاج لثورة من آن لأخر لإحداث قفزات نوعية، لأنه لا بد من السعي المستمر لإيجاد بدائل جديدة وملهمه لواقعنا المتهالك، فالتغيير هو سنة الحياة، ومن حسن حظنا أن عصر نا الحديث قد أمدنا بأدوات جديدة، ووسائل مبتكرة تمكننا من تحقيق أهدافنا.