كيف تختار وتنتخب رئيساً لبلدك
لا شك أن دول العالم ذات النظام الرئاسي تشهد بين الحين والآخر حراكاً سياسياً يواكب عملية الاقتراع الدوري حسب نظامها الانتخابي الرئاسي لاختيار رئيس جديد للبلاد، خاصة وإن كانت هذه الدول تنتهج نظاماً ديمقراطياً يسمح بتداول السلطة بسلاسة ويسر بين المرشحين حسب اختيار الشعب أو غالبيته.
نظراً لأهمية وحساسية هذا المنصب الرفيع بالإضافة إلى تهافت العديد من الشخصيات العامة بل وبعض الشخصيات المغمورة على شغل تلك المنصب، فإنه من الأفضل لنا أن نتعرف هنا وعن قرب على أهم ما يتعلق بذلك المنصب وكيفية المفاضلة بين المرشحين، ومعايير التفضيل بينهم، والسمات التي يجب أن يتمتع بها المرشح الأنسب، وتفاصيل أخرى كثيرة وذلك تماشياً مع ما يحدث في كل دول العالم عامة وفي منطقتنا العربية خاصة.
أنواع المرشحين للرئاسة
قد ينتاب الناخب حيرة يتيه فيها، وربما تجعله يُحجم أصلاً عن الإدلاء بصوته والمشاركة في هذه العملية السياسية المهمة، وذلك بسبب عدم وضوح الرؤية وعدم معرفته الكافية بمعايير الاختيار الصحيح، فهناك عدة أنواع للمرشحين للرئاسة منهم:
- مرشح يسعى إلى تولي السلطة وهدفه الرئيسي هو الكرسي والمنصب لا غير.
- مرشح خرج من رحم نظام ظالم ديكتاتوري لا يعرف ولا يعترف بالرأي والرأي الآخر، ويحتقر مبدأ الشورى وينفرد برأيه وكان أحد أركانه في الماضي.
- مرشح يتسم بالعديد من علامات الاستفهام حول مسيرته في العمل العام إن كان قد تقلد منصباً رفيعاً من قبل، أو حول مواقفه في الماضي والحاضر خاصة إن كانت متقلبة وغير متّحدة.
- مرشح لا يتقيد بالأطراف الاجتماعية والثقافية بل وربما الدينية لشعبه.
- مرشح قضى كل عمره مغترباً عن وطنه ولا يعرف تفاصيل معاناة شعبه، وليس لديه إلمام ملموس بما يستقر على رأس أولويات جمهوره.
- مرشح آخر يعتمد بالكلية على درجاته العلمية التي حَصّلها من أكبر الجامعات والمعاهد العلمية حول العالم دون تمتعه بفنون الإدارة والحنكة السياسية والإدارية.
بالفعل إن الأمر محيراً، ولكننا سنبسطه لك ونيسره عليك.
تعريف رئيس الدولة ومهامه الوظيفية
رئيس الدولة هو الشخص الذي يعتلي قمة الهرم الوظيفي لموظفي الدولة، ويمثل سلطة الدولة أمام العالم، ويدير أو يتولى على سبيل المثال لا الحصر مسئولية الشئون الخارجية والدفاع والأمن القومي بالتنسيق مع الجهات المعنية، ومن مهامه أيضاً المشاركة بشخصه في الاجتماعات واللقاءات والمنتديات الدولية ليمثل دولته، وأيضاً يستقبل الوفود الرسمية وبالأخص رؤساء الدول والحكومات الأخرى في زياراتهم لدولته، ويتباحث معهم حول القضايا المهمة والتعاون المشترك، كما أنه في بعض الأنظمة الرئاسية يمثل رئيس الحكومة أو يقوم بمهام رئيس الوزراء كما هو الحال في الولايات المتحدة الامريكية.
وبذلك يمكننا أن نضيف قائمة طويلة لمهام رئيس الدولة مثل اختيار الوزراء وعزلهم، وقيادة التوجه العام للدولة اقتصادياً وسياسياً حرباً وسلماً إلخ.
تجدر الإشارة إلى أن دور ومهام رئيس الدولة يختلف أيضاً باختلاف النظام السياسي أو شكل السلطة من دولة لأخرى. ففي بعض الدول التي يكون فيها رئيس الدولة غير مُنتخب يكون دوره مجرد تمثيل رمزي للدولة كما هو الحال في عدة دول مثل الممالك كإسبانيا وهولندا والمملكة المتحدة والسويد والنرويج.
الفرق بين النظام الرئاسي وأنظمة الحُكم الأخرى
يختلف نظام الحكم من بلدة لأخرى، وكل دولة تتبنى نظاماً يتماشى مع تقاليدها التاريخية ومع ما اتفق عليه شعبها، ونادراً ما تقوم دولة ما بتغيير نظام الحكم فيها باستثناء بعض الحالات النادرة كقيام الثورات مثل الثورة الفرنسية التي حولت فرنسا من النظام الملكي إلى النظام نصف البرلماني أو نصف الرئاسي، أو الحروب وما يتبعها من تقسيم وإعادة هيكلة الكيانات السياسية.
من بين هذه الأنظمة هناك النظام الرئاسي وفيه يكون رئيس الدولة هو أيضاً رئيس الحكومة، ويكون هو رئيس السلطة التنفيذية في البلاد كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية.
أما النظام البرلماني فيتم فيه انتخاب رئيس الحكومة أو رئيس الوزراء من قِبل البرلمان، ويكون هو رئيس السلطة التنفيذية، ويكون رئيس الدولة في هذا النظام منتخب من قِبل البرلمان أو عاهل وراثي (ملك، أمير، سلطان، إمبراطور، إلخ) كما هو الحال في اليابان وإمارة موناكو.
وأما النظام نصف البرلماني ففيه يعتلي رئيس الحكومة (رئيس الوزراء) هرم السلطة التنفيذية بعد حصول حزبه على الأغلبية في البرلمان، أو بالاتفاق بين حزبه وأحزب أخرى ليشكلوا تكتلاً سياسياً يضمن لهم الأغلبية التي تُمَكّنهم من تشكيل الحكومة بالاتفاق فيما بينهم، وبتوزيع الحقائب الوزراية بحسب نسبة تمثيله في هذا التكتل السياسي، وفي نفس الوقت يتم اختيار رئيس الدولة بانتخاب الشعب له، ويكون مسئولاً بالأساس عن توجيه السياسة الخارجية والأمنية للدولة كما هو الحال في فرنسا.
معايير المقارنة بين المرشحين على الساحة والحُكم عليهم
نظراً لرفعة هذا المنصب وعلو شأنه ومكانته، يترشح العديد من الأشخاص لتولي منصب رئيس الدولة خاصة في الدول التي تنتشر فيها الديمقراطية ويُعمل بها في شتى الأمور وبالأخص في الشأن السياسي. ومما سبق تتضح أهمية هذا المنصب من خلال المهام التي يكلف بها من يتولى هذا المنصب، ولذلك فإنه من البديهي أن تكون هناك قواسم مشتركة بين كافة المرشحين أهمها النزاهة والكفاءة المهنية، ونظافة اليد، والسمعة الطيبة، وربما تاريخ مهني معروف ومشهود له.
ولكن تبقى معايير أخرى يجب أن تأخذ بعين الاعتبار وتدرس جيداً قبل التصويت لمرشح ما ومساندته في حملته الانتخابية مع التأكيد على أهمية الصوت الانتخابي لك ومدى تأثر من حولك برأيك.
الكاريزما
أول هذه المعايير هى شخصية هذا المرشح أو ما يُعرف بالكاريزما، ذلك المصطلح الذي أفرزته الحركات الشعبية الأخيرة في عالمنا العربي، فشخصية المرشح هى أول العناصر المؤثرة التي تلعب دوراً محورياً في الحُكم عليه. إن المرشح لمنصب رئيس الدولة لا شك سوف يتعرض للعديد من المواقف الصعبة، وسيلتقي بحكم عمله بكثير جداً من الأشخاص من مختلف الجنسيات والثقافات الأخرى، وبالتأكيد سيكون لملامح شخصيته دوراً بارزاً في قناعة الآخر به، وفي فرض أو ربما إقناع الآخر بوجهة نظره، ونجاحه في مباحثاته ومفاوضاته لا سيما فيما يتعلق بأمور وحوارات السياسة الخارجية والتعاون الدولي والدور الذي تلعبه على الساحة الدولية والإقليمية.
الخلفية العلمية
ثاني هذه المعايير هى الخلفية العلمية للمرشح، ففي زمن العولمة وفي عالم يُعد قرية صغيرة لابد وأن يكون للمرشح النصيب الوفير من التعليم والثقافة والاطلاع تميزه عن أقرانه وعن المرشحين الآخرين، ويمكنه من فهم كل ما يدور حوله ويعينه على الحوار مع مختلف الشخصيات مع إتقانه ولو للغة أجنبية واحدة بالإضافة إلى لغته الأم، كما أن الخطابة وفنون الحديث ومخاطبة مختلف الأطياف الاجتماعية تلعب دوراً بارزًا في الحكم على الخلفية الثقافية والتعليمية للمرشح. الكل قد رأى وسمع ولمس قوة وكيفية تأثير هذا العنصر على الناخب الأمريكي عندما صوتت الغالبية لصالح باراك أوباما الخطيب المُفوه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت عام 2008 مع عدم إغفال عنصر برنامجه الانتخابي بالطبع.
الخلفية العلمية للمرشح لا تعني إلمامه بالعديد من الفروع والأصول العلمية، ولكن يكفيه أن يكون قد نال نصيباً وافياً من التعليم، والأهم من هذا كله هو أن يتمتع بفنون الإدارة والتوجيه حيث يعلم الجميع أن صاحب هذا المنصب الرفيع يكون مُحاطاً بجمع ليس بالقليل من المستشارين والمساعدين في شتى المجالات، كما يكون من بين المحيطين به مجموعة من أهل الحكمة وأصحاب الرأي والمشورة من المشهود لهم بالاستنارة وبعد النظر.
البرنامج الإنتخابي
ثالث هذه المعايير وتعتبر من أبرز نقاط قوة المرشح هى برنامجه الانتخابي الذي يعطي فكرة تفصيلية عن محاور اهتمام هذا المرشح ورؤيته للواقع من حوله وتصوره لكيفية النهوض بمجتمعه اقتصادياً وسياساً واجتماعياً، فإذا كان المرشح لا يدرك ما حوله من مشكلات مجتمعية، فكيف يقدر على حلها؟ ففاقد الشيء لا يعطيه.
عليك أن تنظر جيداً وتمحص في البرنامج الانتخابي الذي يطرحه كل مرشح، وتقوم بتطبيق هذا البرنامج على الواقع الذي تعيشه بلدك، وربما يقودك هذا التصور إلى أن تتخيل ما الذي سيفعله هذا المرشح حال وصوله إلى سُدة الحكم من خلال تفاصيل برنامجه الانتخابي وتطبيقها نظريًا على الواقع الحالي لبلدك، يمكنك أن تتوقع كيفية تعاطيه مع كافة القضايا التي تطفو على السطح، ومن ثمّ تكون لك رؤية ثاقبة في الحكم على ذلك المرشح.
قد تجد صعوبة في الحكم على مرشح ما ولكن بالتأكيد سيساعدك النظر في ماضي ذلك المرشح في الحكم عليه بإنصاف. فالنظر في الماضي يجلي لنا الحاضر ويستقرأ لنا المستقبل.