كيف تختار حزباً سياسياً للاشتراك فيه
لا شك أن ما حدث في منطقتنا العربية أدى إلى انتباه العديد من الفئات وخاصة الشباب ومن كان بعيداً عن بؤرة الاهتمام بالسياسة، فمن بين مظاهر طفرة التغيير في مستوى الاهتمام بالشأن السياسي كان تداول مصطلحات ومسميات لم تكن تحظى بهذا القدر من التكرار والاهتمام قبل ذلك ومنها مقدرات الشعوب، والأحزاب السياسية، والتنحي، والدستور، والأجندة السياسية، والأيديولوجية إلخ.
ولكن كان على رأس المصطلحات السياسية الأكثر تداولاً على الساحة ما يُعرف بالأحزاب السياسية وإنشاء حزب جديد والانضمام إلى حزب سياسي.
معنى كلمة حزب سياسي والهدف من إنشاء الأحزاب السياسية
تعني كلمة حزب في اللغة العربية أكثر من معنى وتشير إلى أكثر من دلالة، وقد أشارت كتب اللغة إلى هذه المعاني والمدلولات حيث جاء في معجم لسان العرب لابن منظور أن (الحزب هو جماعة الناس والجمع أحزاب وحِزْبُ الرجل أصحابه وجنده الذين على رأيه، والحزب هو كل قوم تشاكلت قلوبهم وأعمالهم فهم أحزاب وإن لم يلق بعضهم بعضاً) وهذا هو ما يعنينا من كلام ابن منظور وهو المدلول اللغوي الذي يشير إلى الجماعة والطائفة.
أما اصطلاحاً، فقد ذُكرت العديد من التعريفات لكلمة الحزب حيث نتجت هذه التعريفات عن الخلفية الثقافية والفكرية للمتحدث من الناحية الاجتماعية والسياسية له.
فعلى سبيل المثال لا الحصر عرّف الكاتب البريطاني إدموند بيرك (Edmund Burke) الحزب السياسي بأنه "مجموعة من الأفراد اتحدت بجهودها الذاتية لترقية المصلحة الوطنية على أساس مبدأ معين متفق عليه بين المجتمع"، وعرفه آخرون على أنه مجموعة من الأفراد تسعى للوصول إلى السلطة للاستفادة من ثمارها، وهذا في الحقيقة هو جوهر أهداف الأحزاب السياسية ويتفق المفكرون العرب مع هذا المعنى.
دور الأحزاب السياسية في الحياة العامة وفائدة الانضمام إليها
لا يخفى على كثير من الناس الدور الأساسي والمحوري الذي تقوم به الأحزاب السياسية في حياتهم العامة خاصة من حيث أنها تمثل القناة الأساسية التي يسلكها دعاة أي فكر أو توجه معين من أجل الوصول إلى الرأي العام، ولكي يحظوا بقبول ومساندة شعبية تمكنهم من حجز أماكن لهم في المجالس النيابية والتشريعية على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ومن ثم اعتلاء هرم السلطة ثم أخيراً الوصول بفكرهم وتوجهم إلى مرحلة التطبيق العملي من خلال السلطات الشرعية لهم والتي يمنحها لهم الشعب إيماناً منه بمبادئ ذلك الحزب الذي يظهرون للناس من خلاله.
تتسابق الأحزاب السياسية في بسط وتبسيط أفكارها واتجاهاتها بين العديد من أطياف الرأي العام، وذلك لتستقطب أكبر عدد ممكن من المؤمنين بهذا التوجه والإطار الأيديولوجي الذي يتحرك الحزب السياسي داخله، يستلزم هذا السباق المحموم من كل حزب سياسي أن تكون له أهدافاً جوهرية تصب أولاً وأخيراً في مصلحة الوطن ومن ثم تعم الفائدة على الفرد الذي هو جزء من المجتمع، ويشكل اللبنة الأولى والأساسية في نسيج المجتمع الذي يعيش فيه. وبالنسبة للأحزاب الأخرى التي لم تحظ بفرصة تولي السلطة يكون لها دور محوري من حيث مراقبة أداء الحزب الحاكم وتقييمه وتوجيه النقد الموضوعي لأدائه وذلك بعدة طرق مثل تشكيل حكومة أو من خلال منابر الإعلام المرئي أو المقروء أو المسموع.
يمكنك من خلال الانضمام إلى حزب سياسي أن تمارس العمل السياسي في إطار من الشرعية، خاصة إذا كنت مؤمناً بمبادئ الحزب الذي انضممت إليه ولديك ما تضيفه إلى ذلك الحزب، وقد يمنحك نشاطك وتفاعلك مع الجماهير سواء داخل الحزب أو خارجه مزيداً من القبول لدى الناس وبالتالي تحظى بثقة الحزب في أن تكون ممثلاً له في المجالس النيابية والتشريعية، ومن ثم يُمهد لك الطريق لتنطلق إلى المدى الذي تسمح به إمكانياتك وقدراتك وفي ظل ما يحققه الحزب من نجاح على الساحة العامة.
شروط اختيار الحزب السياسي والاشتراك فيه
أولاً: تعرّف على تفاصيل توجه الحزب وأيديولوجيته وأهدافه وقارن بينه وبين الأحزاب الأخرى
ينبغي عليك أن تفكر جيداً قبل الانضمام إلى حزب ما، فمن الأهمية أن تقرأ وبإسهاب عن تفاصيل وتاريخ نشأة هذا الحزب، والأسس والمبادئ التي نشأ عليها ومن أجلها، والأهداف التي يسعى لتحقيقها مع دراسة مدى توائم وملائمة تلك الأسس والمبادئ والأهداف مع المصلحة العامة أولاً ثم مدى اقتناعك الشخصي بمستوى مصداقية هذا الحزب، كما يلزمك أن تتعرف على كوادر هذا الحزب من خلال قراءة سيرتهم أو متابعة أخبارهم أو لقاءاتهم الإعلامية أو حتى متابعة تعليقهم على الأحداث وتواصلهم مع الجماهير، ولا تكتف بتحديد رغبتك في الانضمام إلى حزب ما من خلال اسمه فقط أو بسبب ما يحظى به أحد كوادره من حضور إعلامي بارز لأن التفاصيل أهم بكثير من الأمور السطحية.
قد تخسر الكثير من وقتك وجهدك بانضمامك إلى حزب ما عندما تكتشف من خلال العمل الحزبي أو العمل العام أن هناك حزب أو أحزاب أخرى تتوافق أكثر مع ميولك واتجاهاتك الشخصية وما تؤمن به من مبادئ وما تصبوا إليه من أهداف على المستوى العام والشخصي.
ولذلك، من الأفضل أن تعير الأحزاب الأخرى ولو بعضاً من وقتك واهتمامك لتتعرف عن قرب على برامجها وتوجهاتها وتقارن بينها وبين الحزب الذي تنوي الانضمام إليه، واعلم أن الانشقاق عن حزب تنتمي إليه والانضمام إلى حزب آخر ليس بالخطيئة، ولكنه قد يقدح في مصداقيتك وحضورك ومستوى قبول الناس لك على المستوى البعيد خاصة أنهم لن يغوصوا في أعماقك ليتعرفوا على سبب التغير الذي طرأ على توجهك الحزبي.
ثانياً: تواصل مع العديد من كوادر الحزب وناقشهم في برنامجه وأهدافه
قبل الانضمام إلى الحزب، ننصحك بالتواصل مع كوادر هذا الحزب ولكن قبل أن تتواصل معهم ينبغي أن تكون لديك رؤية صحيحة عن ذلك الحزب وحفيظة لا بأس بها من معلومات عن نشاط الحزب ودوره وتاريخه في العمل السياسي ونجاحاته وإخفاقاته إلخ.
في عصر المعلومات يكون لكل حزب تقريباً موقعه على الإنترنت مما يسهل عليك معرفة كل ما تريد عنه وبالتأكيد يكون له مقر ثابت ووسائل اتصال أخرى مثل الهاتف على سبيل المثال.
ننصحك أولاً بكتابة مسودة بالتساؤلات والنقاط التي ترغب في مناقشتها مع كبار رجال الحزب، ثم التواصل مع أحد مقار هذا الحزب من خلال الاتصال بالهاتف أو إرسال رسالة بريد إلكتروني أو حتى بالذهاب بنفسك إلى أقرب مقر أو مكتب يمثل الحزب وتحديد موعد لقاء مع شخصية حزبية تعتقد أو ترى أن لديها إجابات شافية على تساؤلاتك، ولا مانع من تقسيم اللقاء على أكثر من مرة أو مع أكثر من شخص داخل الحزب وذلك لتتعرف عن قرب على الجوانب المختلفة لمنظومة ذلك الحزب، ولكي تتخذ قرارك على بصيرة وبينة من الأمر وحتى لا تندم على وقتك وجهدك.
ثالثاً: ماذا يمكنك أن تقدم لبلدك ووطنك من عطاء بانضمامك لهذا الحزب أو ذاك؟
اطرح على نفسك هذا السؤال المهم والذي يمثل حجر الزاوية في مسألة ممارسة العمل الحزبي والانضمام إلى حزب سياسي، ماذا لديك لتقدمه من خلال انضمامك للحزب؟
أنت الشخص الوحيد الذي يستطيع الإجابة وبالتفصيل على هذا السؤال، فأنت أدرى الناس بإمكانياتك وبما تؤمن به من مبادئ ستمثل وقوداً لا ينفد للعمل العام خاصة أن العمل الحزبي ربما لا يأتي من وراءه مكاسب مادية في معظم الحالات أو في معظم مراحله، وفي ظل ما يشهده عالمنا العربي المعاصر من أزمات اقتصادية طاحنة حجب الدعم الحكومي عن الأحزاب في بعض الدول مما استدعى قيام بعض الأحزاب بالبحث عن موارد تمويل لها سواء من داخل هيكل الحزب نفسه أو من خارجه، وهذا ربما يفسر أسباب اعتلاء رجال الأعمال أو بعض الساسة الأغنياء للمناصب القيادية في بعض الأحزاب.
وعملاً بالحقيقة القائلة بأن الهدف الأول الحقيقي لأي حزب هو الوصول إلى السلطة فتخيل نفسك في موضع سلطة أو تكون ممثلاً للحزب، من هنا يأتي السؤال الأهم وهو ماذا ستقدم لبلدك ووطنك من خلال منصبك الحزبي حتى ولو كان منصباً صغيراً؟
لا بد أن تكون لك رؤية واضحة من وراء سعيك للانضمام إلى حزب دون غيره، وتكون لك أهدافاً عامة وخاصة تسعى إلى تحقيقها من خلال العمل الحزبي، ولا بد أن يكون لديك ما تضيفه لبلدك، ولا بد أن تكون لك بصمتك المتميزة في توجهات الحزب ولو على المستوى الضيق داخل لجان الحزب والتي تتوافق مع إمكانياتك وتوجهاتك فكم من أحزاب تضم ملايين المشتركين وفي نفس الوقت لا تمتلك صوتاً ولا شعبية بين الناس بسبب سعيها المحموم تجاه السلطة مع تجاهل خدمة الوطن والجماهير.
رابعاً: هل يستفيد الحزب من عضويتك وتستفيد من التحرك تحت غطاءه؟
على الرغم من أنه يندر رفض أي حزب لانضمام عضو جديد إليه، إلا أن ذلك الاحتمال يظل قائماً إن كان الحزب يحترم منهجه ويقدر أهدافه وإن كان يعمل على استقطاب فئات معينة من الناس لتضيف إليه لا لتستفيد منه فحسب، فهل فكرت قبل الانضمام إلى حزبك المختار في الفائدة التي ستعود على ذلك الحزب من وراء قبول انضمامك إليه؟ هذا سؤال مهم يجب أن تجد له إجابة شافية وتكون مستعداً للإجابة عليه حال توجيهه إليك من قِبل أي مسؤول بالحزب حيث ستزيد الإجابة المقنعة على هذا السؤال من فرصتك في قبول عضويتك ثم في ارتقاء مناصب قيادية داخل هيكل الحزب ولو بعد حين.
لا بد أن تكون لك رؤية شاملة لمنهج الحزب، ولا بد أن تكون لديك ولو بعض الأفكار أو الاقتراحات البناءة التي بها يرقى العمل العام داخل الحزب ويزيد انتشار فكره ومنهجه بين الناس، خاصة فيما يتعلق بالانتشار بين الفئة العمرية أو الاجتماعية أو الإقليمية التي تتبعها أنت.
كما ننصحك بأن يكون لديك عرض تصوري لحال الحزب بعد خروج اقتراحاتك إلى حيز التنفيذ، وليكن على سبيل المثال خطتك لتوسيع دائرة أعضاء الحزب بالترويج له بين الأصدقاء والأهل والجيران.
نضيف نصيحة أخيرة وهى أن تبادر أنت بعرض ما لديك من أفكار جديدة قد تسهم في الارتقاء بشعبية هذا الحزب حتى وإن لم يُطلب منك ذلك، بادر أنت في رسم انطباع أولي عنك يدوم لدى من تناقشه أو من تطلب منه قبول عضويتك بالحزب، فالانطباعات الأولى غالباً ما تدوم مع التأكيد على عرض رؤوس الموضوعات والاقتراحات والأفكار فقط والاحتفاظ بالتفاصيل الدقيقة لنفسك إلى وقت التنفيذ.